كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: كانوا يقولون: يا محمد يا أبا القاسم فنهاهم الله تعالى عن ذلك بقوله سبحانه: {لاَّ تَجْعَلُواْ} الآية إعظامًا لنبيه صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله يا رسول الله، وروي نحو هذا عن قتادة الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد، وفي أحكام القرآن للسيوطي أن في هذا النهي تحريم ندائه صلى الله عليه وسلم باسمه.
والظاهر استمرار ذلك بعد وفاته إلى الآن.
وذكر الطبرسي أن من جملة المنهي عنه النداء بيا ابن عبد الله فإنه مما ينادي به العرب بعضهم بعضًا.
وتعقب هذا القول بأن الآية عليه لا تلائم السباق واللحاق.
وقال بعضهم: وجه الارتباط بما قبلها عليه الإرشاد إلى أن الاستئذان ينبغي أن يكون بقولهم: يا رسول الله إنا نستأذنك ونحوه، وكذا خطاب من معه في أمر جامع إياه صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون بنحو يا رسول الله لا بنحو يا محمد، ويكفي هذا القدر من الارتباط بما قبل ولا حاجة إلى بيان المناسبة بأن في كل منهما ما ينافي التعظيم اللائق بشأنه العظيم صلى الله عليه وسلم، نعم الأظهر في معنى الآية ما ذكرناه أولًا كما لا يخفى.
وقرأ الحسن ويعقوب في رواية {نبيكم} بنون مفتوحة وباء مكسورة وياء آخر الحروف مشددة بدل {شهادة بَيْنِكُمْ} الظرف في قراءة الجمهور، وخرج على أنه بدل من {الرسول} ولم يجعل نعتًا له لأنه مضاف إلى الضمير والمضاف إليه في رتبة العلم وهو أعرف من المعرف بأل ويشترط في النعت أن يكون دون المنعوت أو مساويًا له في التعريف، وقال أبو حيان: ينبغي أن يجوز النعت لأن {الرسول} قد صار علمًا بالغلبة كالبيت للكعبة فقد تساويا في التعريف.
{قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ} وعيد لمن هو بضد أولئك المؤمنين الذين لم يذهبوا حتى يستأذنوه عليه الصلاة والسلام، والتسلل الخروج من البين على التدريج والخفية، وقد للتحقيق، وجوز أن تكون لتقليل المتسللين في جنب معلوماته تعالى وأن تكون للتكثير إما حقيقة أو استعارة ضدية، وقال أبو حيان: إن قول بعض النحاة بإفادة قد التكثير إذا دخلت على المضارع غير صحيح وإنما التكثير مفهوم من سياق الكلام كما في قول زهير:
أخى ثقة لا يهلك الخمر ماله ** ولكنه قد يهلك المال نائله

فإن سياق الكلام للمدح يفهم منه ذلك أي قد يعلم الله الذين يخرجون من الجماعة قليلًا قليلًا على خفية {لِوَاذًا} أي ملاوذة بأن يستتر بعضهم ببعض حتى يخرج.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن مقاتل قال: كان لا يخرج أحد لرعاف أو إحداث حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام فيأذن له النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بيده وكان من المنافقين من تثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به حتى يخرج فأنزل الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ} الآية، وقيل يلوذ به إراءة أنه من أتباعه.
ونصب {لِوَاذًا} على المصدرية أو الحالية بتأويل ملاوذين وهو مصدر لاوذ لعدم قلب واوه ياء تبعًا لفعله ولو كان مصدر لاذ لقيل لياذًا كقيامًا.
وقرأ يزيد بن قطيب {لِوَاذًا} بفتح اللام فاحتمل أن يكون مصدر لاذ ولم تقلب واوه ياء لأنه لا كسرة قبلها فهو كطواف مصدر طاف، واحتمل أن يكون مصدر لاوذ وفتحة اللام لأجل فتحة الواو، والفاء في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ} لترتيب الحذر أو الأمر به على ما قبلها من علمه تعالى بأحوالهم فإنه مما يوجب الحذر البتة، والمخالفة كما قال الراغب: أن يأخذ كل واحد طريقًا غير طريق الآخر في حاله أو فعله والأكثر استعمالها بدون عن فيقال خالف زيد عمرًا وإذا استعملت بعن فذاك على تضمين معنى الإعراض.
وقيل الخروج أي يخالفون معرضين أو خارجين عن أمره.
وقال ابن الحاجب: عدى يخالفون بعن لما في المخالفة من معنى التباعد والحيد كأنه قيل الذين يحيدون عن أمره بالمخالفة وهو أبلغ من أن يقال: يخالفون أمره.
وقيل على تضمين معنى الصد، وقيل إذا عدى بعن يراد به الصد دون تضمين ويتعدى إلى مفعول بنفسه يقال: خالف زيدًا عن الأمر أي صده عنه والمفعول عليه هنا محذوف أي يخالفون المؤمنين أي يصدونهم عن أمره وحذف المفعول لأن المراد تقبيح حال المخالف وتعظيم أمر المخالف عنه فذكر الأهم وترك ما لا اهتمام به وقد يتعدى بإلى فيقال خالف إليه إذا أقبل نحوه.
وقال ابن عطية: {عَنْ} هنا بمعنى بعد، والمعنى يقع خلافهم بعد أمره كما تقول: كان المطر عن ريح وأطعمته عن جوع.
وقال أبو عبيدة والأخفش: هي زائدة أي يخالفون {أَمَرَهُ} وضمير أمره لله عز وجل فإن الأمر له سبحانه في الحقيقة أو للرسول صلى الله عليه وسلم فإنه المقصود بالذكر، والأمر له قيل الطلب أو الشأن أو ما يعمهما، ولا يخفى أن في تجويز كل على كل من الاحتمالين في الضمير نظرًا فلا تغفل.
وقرئ {يَخْلُفُونَ} بالتشديد أي يخلفون أنفسهم عن أمره {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي بلاء ومحنة في الدنيا كما روي عن مجاهد.
وعن ابن عباس تفسير الفتنة بالقتل.
وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه تفسيرها بتسليط سلطان جائر، وعن السدي ومقاتل تفسيرها بالكفر والأول أولى.
{أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي في الآخرة وقيل في الدنيا، والمراد بالعذاب الأليم القتل وبالفتنة ما دونه وليس بشيء، وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع.
وإعادة الفعل صريحًا للاعتناء بالتهديد والتحذير.
وشاع الاستدلال بالآية على أن الأمر للوجوب فإنه تعالى أوجب فيها على مخالف الأمر الحذر عن العذاب وذلك تهديد على مخالفة الأمر وهو دليل كون الأمر للوجوب إذ لا تهديد على ترك غير الواجب، وأيضًا بناء حكم الحذر عن العذاب إلى المخالف يقتضي أن يكون حذره عنه من حيث المخالفة، وذلك إنما يكون إذا أفضى إلى العذاب كما في قولك فليحذر الشاتم للأمير أن يضربه ولا إفضاء في ترك غير الواجب.
وهذا الأمر أعني {فَلْيَحْذَرِ} بخصوصه مستعمل في الإيجاب إذ لا معنى لندب الحذر عن العقاب أو إباحته، وأيضًا إشعار الآية بوجوب الحذر غير خاف بقرينة ورودها في معرض الوعيد بتوقع إصابة العذاب على أنه لو حمل الأمر المذكور على أنه للندب يحصل المطلوب وذلك لأن التحذير عما لم يعلم أو لم يظن تحققه ولا تحقق ما يفضي إلى وقوعه في الجملة سفه غير جائز بمعنى أنه مخالف للحكمة ولهذا يلام من يحذر عن سقوط الجدار المحكم الغير المائل، وأيًا ما كان يندفع ما يقال: لا نسلم أن قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ} للوجوب لأنه عين محل النزاع إذ يكفي في المطلوب على ما قررنا استعماله في الندب أيضًا، والقول بأن معنى مخالفة الأمر عدم اعتقاد حقيته أو حمله على غير ما هو عليه بأن يكون للوجوب أو الندب مثلًا فيحمل على غيره بعيد جدًا، والظاهر المتبادر إلى الفهم أنه ترك الامتثال والإتيان بالمأمور به فلا يترك إلى ذلك إلا بدليل.
واعترض بأنه بعد هذا القيل والقال لا يدل على أن جميع الأوامر حقيقة في الوجوب لإطلاق الأمر.
وأجيب بأن {أَمَرَهُ} مصدر مضاف وهو يفيد العموم حيث فقدت قرينة العهد على أن الإطلاق كاف في المطلوب، وهو كون الأمر المطلق للوجوب خاصة إذ لو كان حقيقة لغيره أيضًا لم يترتب التهديد على مخالفة مطلق الأمر.
وقال بعض الأجلة: لا قائل بالفصل في صيغ الأمر بأن بعضها للوجوب وبعضها لغيره.
وزعم بعضهم أن الاستدلال لا يتم إذا أريد بالأمر الطلب، ولو فسر بالشأن وكان الضمير للرسول عليه الصلاة والسلام لزم من القول بدلالتها على الوجوب أن يكون كل ما يفعله صلى الله عليه وسلم واجبًا علينا ولا قائل به.
والزمخشري فسره بالدين والطاعة.
وقال صاحب الكشف: إن الاستدلال بالآية على أن الأمر للوجوب مشهور سواء فسر بما ذكر لأن الطاعة امتثال الأمر القولي أو فسر على الحقيقة، وأما إذا جعل إشارة إلى ما سبق من الأمر الجامع ومعنى {يخالفون عَنْ أَمْرِهِ} ينصرفون عنه فلا وليس بالوجه وإن آثره جمع لفوات المبالغة والتناول الأولى والعدول عن الحقيقة في لفظ الأمر ثم المخالفة من غير ضرورة انتهى، وهذا الذي آثره جمع ذكره الطيبي عن البغوي ثم قال: هذا هو التفسير الذي عليه التعويل ويساعد عليه النظم والتأويل لأن الأمر حينئذٍ بمعنى الشأن وواحد الأمور، وبيانه إن ما قبله حديث في الأمر الجامع وهو الأمر الذي يجمع عليه الناس ومدح من لزم مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذهب عنه وذم من فارقه بغير الإذن وأمر بالاستغفار في حق من فارق بالإذن لأن قوله تعالى: {فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: 62] يؤذن أن القوم ثلاث فرق المأذون في الذهاب بعد الاستئذان والمتخلف عنه ثم المتخلف إما أن يدوم في مجلسه عليه الصلاة والسلام ولم يل الله صلى الله عليه وسلم ولم يذهب عنه وذم من فارقه بغير الإذن وأمر بالاستغفار في حق من فارق بالإذن لأن قوله تعالى: {فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: 62] يؤذن أن القوم ثلاث فرق المأذون في الذهاب بعد الاستئذان والمتخلف عنه ثم المتخلف إما أن يدوم في مجلسه عليه الصلاة والسلام ولم يعم قيل عليه: إن فوات المبالغة والتناول لا يقاوم العهد ولا عدول عن الحقيقة لأن الأمر حقيقة في الحادثة وكذا المخالفة فيما ذكر ولو سلم فهو مشترك الإلزام فإن الأمر ليس حقيقة في الأمر العام وقوله: بلا ضرورة ممنوع فإن إضافة العهد صارفة.
وتعقب بأن هذا مكابرة ومنع مجرد لا يسمع فإن الأبلغية لا شبهة فيها فإن تهديد من لم يمتثل أمره عليه الصلاة والسلام أشد من تركه بلا إذن وكون الأمر حقيقة في الطلب هو الأصح في الأصول والمخالفة المقارنة للأمر لا شبهة في أن حقيقتها عدم الامتثال واشتراك الإلزام ليس بتام لأن أمره إذا عم يشمل الأمر الجامع بمعنى الطلب أيضًا وعهد الإضافة ليس بمتعين حتى يعد صارفًا كذا قيل وفيه بحث فتأمل، وقد يقال بناءً على كون الأمر المذكور إشارة إلى الأمر الجامع: إنه جىء بأو في قوله: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 36] لما أن الأمر الجامع إما أن يكون أمرًا دنيويًا كالتشاور في الأمور الحربية فالانصراف عنه مظنة إصابة المحنة الدنيوية للمنصرفين وإما أن يكون أمرًا دينيًا كإقامة الجمعة التي فيها تعظيم شعائر الإسلام فالانصراف عنه مظنة إصابة العذاب الأخروي.
وبالجملة لا استدلال بالآية على اعتبار العهد وأما إذا لم يعتبر فقد استدل بها، وقد سمعت شيئًا من الكلام في ذلك وتمامه جرحًا وتعديلًا وغير ذلك في كتب الأصول.
{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}.
{أَلا إِنَّ للَّهِ مَا في السموات والأرض} من الموجودات بأسرها خلقًا وملكًا وتصرفًا إيجادًا وإعدامًا بدءًا وإعادة لا لأحد غيره شركة أو استقلالًا {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} أيها المكلفون من الأحوال والأوضاع التي من جملتها الموافقة والمخالفة والإخلاص والنفاق ودخول المنافقين مع أن الخطاب فيما قبل للمؤمنين بطريق التغليب، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} خاص بالمنافقين وهو مفعول به عطف على {مَا أَنتُمْ} أي يعلم يوم يرجع المنافقون المخالفون للأمر إليه عز وجل للجزاء والعقاب.
وتعليق علمه بيوم رجعهم لا برجعهم لزيادة تحقيق علمه سبحانه بذلك وغاية تقريره لما أن العلم بوقت وقوع الشيء مستلزم للعلم بوقوع الشيء على أبلغ وجه وآكده، وفيه إشعار بأن علمه جل وعلا بنفس رجعهم من الظهور بحيث لا يحتاج إلى البيان قطعًا.
ويجوز أن يكون الخطاب السابق خاصًا بهم أيضًا فيتحقق التفاتان التفات من الغيبة إلى الخطاب في {أَنتُمْ} والتفات من الخطاب إلى الغيبة في {يَرْجِعُونَ} والعطف على حاله.
وجوز أن يكون على مقدر أي ما أنتم عليه الآن ويوم الخ فإن الجملة الاسمية تدل على الحال في ضمن الدوام والثبوت.
وقيل: يجوز أن يكون {يَوْمٍ} ظرفًا لمحذوف يعطف على ما قبله أي وسيحاسبهم يوم أو نحو ذلك ولا أرى اختصاصه بالوجه الثاني في الخطاب.
وفي البحر بعد ذكر الوجهين فيه والظاهر عطف {يَوْمٍ} على {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} وقال ابن عطية: يجوز أن يكون التقدير والعلم يظهر لكم أو نحو هذا يوم فيكون {يَوْمٍ} نصبًا على الظرفية بمحذوف وقد للتحقيق وفيها الاحتمالان المتقدمان آنفًا، وقد مر غير مرة ما يراد بمثل هذه الجملة من الوعيد أو الوعد.
ولا يخفى المناسب لكل من الاحتمالات في {أَنتُمْ} وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحاق وأبو عمرو {لاَ يَرْجِعُونَ} مبنيًا للمفعول {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ} أي بعملهم أو بالذي عملوه من الأعمال السيئة التي من جملتها مخالفة الأمر فيرتب سبحانه عليه ما يليق به من التوبيخ والجزاء أو فينبئهم بما عملوا خيرًا أو شرًا فيرتب سبحانه على ذلك ما يليق به إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} لا يخفى عليه شيء من الأشياء.
والجملة تذييل مقرر لما قبله، وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار لتأكيد استقلال الجملة والإشعار بعلة الحكم، وتقديم الظرف لرعاية رءوس الآي.
وقيل وفيه بحث: إنه للحصر على معنى والله عليم بكل شيء لا ببعض الأشياء كما يزعمه بعض جهلة الفلاسفة ومن حذا حذوهم حفظنا الله تعالى والمسلمين مما هم عليه من الضلالات وجعل لنا نورًا نهتدي به إذا ادلهم ليل الجهالات هذا. اهـ.